تقول الآيات الكريمة فى هذه السورة: «يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ» - فتضع هؤلاء الضحايا جميعا على مذبح الفداء مرة واحدة، ثم هى- مع هذا- تضعهم بهذا الترتيب، فيما يشبه الزّمن العدمي!! وتقول الآيات الكريمة فى سورة أخرى: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ.» (عبس: ٣٤- ٣٦) فتفرض على المجرم الفارّ من وجه العذاب- أن يرمى بكل هؤلاء جميعا دفعة واحدة كما يرمى بحصيات من يده، مرة واحدة ولكن- وبتدبير معجز- تخرج تلك الحصيات من يده على هذا الترتيب الذي جاءت به الآيات.. فهو يفر من أهله جملة واحدة، لا يفصل بين أفرادها زمن، ولكنها جملة مفصلة، تمر فى أسرع من آنات الزمن! ولو أن العطف وقع بالفاء، أو ثم فى الموقفين، لكان فى هذا الترتيب فواصل زمنية لازمة، لا يحتملها الموقف، ولا يحكيها واقع الحال! هذه واحدة..
وأخرى..
وهى أن الطبيعة البشرية فى مجموعها، وإن كانت تجرى على هذا الترتيب الذي جاءت عليه الآيات فى الموقفين، فى مقام المفاضلة بين الأهل والولد.. الابن، فالصاحبة (الزوج)، فالأب، فالأم، فالإخوة، فالأهل والعشير.! ولكن هناك حالات خاصة تقضى بأن يكون لبعض الناس موقف خاص من هذا الترتيب، فيقدّم صنفا على صنف، لانحراف فى التفكير، أو لفساد فى الطبيعة، أو فتور فى العلاقة، أو غير هذا مما يغيّر فى وضع العلاقة الطبيعية بين المرء وأقاربه..