فهى ما تضمنته الألواح التي تلقاها موسى من ربه، فهى أشبه بالأحاديث القدسية التي تلقاها رسول الله ﷺ من ربه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى لموسى عليه السلام:
«يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ» (١٤٤- ١٤٥: الأعراف) فالله سبحانه وتعالى- كما تشير الآيات- قد اصطفى موسى بهذه الرسالات التي تلقاها لتكون شريعة لقومه، كما اصطفاه بتكليمه.. فالرسالات التي تلقاها موسى شىء، وتكليم الله له شىء آخر.. كلام الله صفة من صفاته، والرسالات خلق من خلقه.
وعلى هذا، فالقرآن الكريم خطاب مباشر من الله سبحانه وتعالى للنبى والمؤمنين، أما التوراة، فهى حكاية خطاب الله تعالى لموسى، ثم هى حكاية لخطاب موسى لقومه الذين تلقوها منه.
ونعود بعد هذا إلى موقفنا بين يدى قوله تعالى:
«قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً».
النفر: الجماعة بين الثلاثة والعشرة..
والإسماع: الإصغاء والالتفات إلى المسموع..
وهذا يعنى أن جماعة الجنّ التي توافدت على مجلس القرآن بين يدى النبىّ صلوات الله وسلامه عليه- قد أعطت سمعها للقرآن، والتفتت بمشاعرها كلها إليه.. ذلك أنّ «استمع» غير «سمع» من حيث المعنى الاشتقاقى الذي يدل عليه كلّ منهما لما يسمع، فالاستماع يدل على التطلع إلى سماع الحديث


الصفحة التالية
Icon