أكلا جامعا، غير مستبقين شيئا لما افترض الله سبحانه وتعالى عليهم فى هذا الميراث الذي جاءهم من غير كدّو لا عمل، فهو ليس لهم وحدهم، وإنما هو أشبه بلقطة يلتقطونها من عرض الطريق، وأن من حق من يحضرهم وهم يمدون أيديهم إلى هذا المال أن ينال نصيبا منه، إذا كان من أهل العوز والحاجة، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً» (٨: النساء).. والمراد بالقسمة هنا قسمة الميراث.. والمراد برزق أولى القربى واليتامى والمساكين من هذا الميراث- هو إعطاؤهم نصيبا منه، غير مقدّر بقدر محدود، وإنما هو فضل وإحسان.. ولقد أنكروا هذا الحق، وأكلوا الميراث كله!! وفى قوله تعالى: «أَكْلًا لَمًّا» إشارة إلى أنهم أكلوا ما لهم من حق فى هذا الميراث، مع مالذوى القربى واليتامى والمساكين من حق فيه، وجمعوا هذا إلى ذاك، وأكلوه جميعه.
وقوله تعالى:
«كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي».
كلا، هو ردّ على موقف هؤلاء الذين لا يكرمون اليتيم، ولا يتحاضّون على طعام المسكين، ويأكلون التراث أكلا لمّا، ويحبون المال حبّا جمّا.. إن ذلك ليس هو طريق الفلاح والنجاة، بل هو طريق الخسران، والهلاك، وإن ذلك ليبدو لهم جليّا وضحا «إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا» أي إذا جاء يوم القيامة، وتبدلت معالم هذه الحياة الدنيا، وذهب كل ما جمعوا فيها، وما أقاموا


الصفحة التالية
Icon