التفسير:
قوله تعالى:
«وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» الضحى، أول النهار وشبابه، حيث تعلو الشمس على أفقها الشرقي، فتبسط ضوءها على الوجود..
«وَاللَّيْلِ إِذا سَجى».. سجا الليل، يسجو، سجوّا، وسجوّا، أي سكن، وهدأ، حيث تسكن فيه حركة الحياة، كما يسكن موج البحر، وينطوى صخبه وهديره، وهذا يعنى الدخول فى الليل إلى حدّ استوائه، كالدخول فى النهار إلى وقت الضحى، حيث يسفر وجه النهار على تمامه وكماله..
قيل إن هذه السورة نزلت بعد فترة انقطع فيها الوحى عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لقد اتخذ المشركون من ذلك مادة للسخرية من النبي، وأن ربّه- الذي يقول إنه يوحى إليه بما يحدثهم به- قد قلاه، أي هجره، كرها له وبغضا!! وفى القسم بالضحى، إشارة إلى مطلع شمس النبوة، وأن مطلعها لا يمكن أن يقف عند حد الضحى الذي بلغته فى مسيرتها، بل لا بد أن تبلغ مداها، وأن تتم دورتها.. فالشمس فى مسيرتها، لا يمسكها شىء إذا طلعت.
وفى القسم بالليل بعد الضحى، وإلى سجوّ هذا الليل وسكونه- إشارة أخرى إلى أن فترة انقطاع الوحى، ليست إلا فترة هدوء، واستجمام يجمع فيها النبي نفسه، ويلمّ فيها خواطره، بعد هذا النور الغامر الذي بهره، وهز أعماق نفسه.. وإن بعد هذا الليل الهادئ الوادع نهارا، مشرقا وضيئا.. فهكذا يجرى نظام السكون، على ما أقامه الصانع الحكيم.