والقراءتان- بالنصب والجرّ- يكملان بعضهما- ويكشفان عن وجه من وجوه الإعجاز القرآنى، ويأخذان على الناس السبيل إلى الانحراف عن سواء السبيل، فى الجمع بين تقوى الله، وبرّ ذوى الأرحام.. فمن الناس من يلتفت بوجوده كلّه إلى الله، ويذهل عن حقّ أهله وذوى قرابته، ومن الناس من تشغله أمور أهله وذوى قرابته فيجور على حقّ الله عنده. والطريق القويم هو أن يرعى الأمرين معا، فلله حقوق يجب أن يؤديها، وللأهل حقوق ينبغى أن يرعاها، وهو ملوم إن قصّر فى حق على حساب الحق الآخر.
الآية: (٢) [سورة النساء (٤) : آية ٢]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢)
التفسير: التطبيق العملي للتقوى بشقّيها- تقوى الله، وتقوى ذوى الأرحام- يكون أكثر ما يكون ظهورا فى رعاية حقوق الضعفاء من ذى الأرحام، وهم اليتامى، حيث يكون اليتم غالبا فى كفالة أحد أقاربه.
ولهذا كان أول اختبار عملىّ للتقوى التي دعا الله إليها فى مطلع السورة هو الدعوة إلى رعاية حقوق اليتامى، واتقاء الله فيهم، وفى أموالهم التي هى أمانة فى أيدى الأوصياء، كما أنهم هم أنفسهم أمانة فى ذمة هؤلاء الأوصياء..
فلا تبرأ ذمة الوصىّ حتى يؤدّى تلك الأمانة على وجهها الذي أمر الله أن تؤدّى عليه..
وقد خصّ الأمر الإلهى المال بالذكر، لأن أكثر ما تطمح إليه نفوس الأوصياء وتطمع فيه، هو المال، وما سواه فهو تبع له..


الصفحة التالية
Icon