وحال واحدة هى التي يحقّ للمؤمن فيها أن يعطى العدو ظهره، وهو أن يتحرّف لقتال، أي يرى تغيير موقفه الذي هو فيه، ويتخيّر موقفا آخر، أمكن له، وأصلح لموقفه فى القتال، أو أن يتحيز إلى فئة من المؤمنين، فينتقل من جماعة إلى جماعة، حيث يرى فى ذلك مصلحة فى النكاية بالعدوّ.. فهذا التولّى بالوجه عن مواجهة العدوّ هنا، هو لحساب المعركة، لا لحسابه، ولا للضنّ بنفسه عن أن يواجه العدوّ، ولو كان فيه الموت.
وفى التعبير عن الصدّ عن العدوّ، والفرار منه بتولية الدّبر، تشنيع على من يأتى هذا الفعل، وفضح له، إذ كان كأنما يكشف سوأته لعدوّه أو يعطيه دبره! وقوله تعالى: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» هو إشارة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي مكنّ للمسلمين يومئذ من عدوّهم، وأن يد الله هى التي ضربتهم تلك الضربة القاضية، وأن المسلمين لم يكونوا إلا أسبابا ظاهرة، أجرى الله على أيديهم ما أخذ به عدوهم من بلاء فى هذه المعركة.. وكذلك ما فعله النبىّ يومئذ حين قبض قبضة من تراب فرمى بها فى وجه الكافرين، داعيا الله سبحانه أن يعمى أبصارهم، ويطمس على قلوبهم، ويأخذ على أيديهم.. فإن ذلك الذي كان من النبىّ لم يكن ليحدث أثره، إلا لأن الله سبحانه هو الذي جعل لهذه الرمية تأثيرها وأثرها..
وإذن فإن فوق يد المسلمين كانت يد الله.. وفوق يد النبي كانت يد الله.. وإذن فلا يحسب المسلمون أنهم بغير هذا المدد السماوي قد غلبوا عدوهم وقهروه، ولا يحسب النبىّ أنه برميته تلك التي رمى بها فى وجوه المشركين قد فتح للمسلمين طريق النصر، لولا أن يد الله تقبلت رميته وباركتها.. وفى هذا وذلك ما يشعر بأن الله سبحانه مع نبيه ومع المجاهدين معه.