البرهان، أو هذا الدليل- يجىء شاهد يؤكّد صدق هذا البرهان، ويدعم هذا الدليل، ويلقى إلى هذا النور نورا.. أما هذا الشاهد، فهو القرآن الكريم، وما فيه من دلائل الإعجاز التي من شأنها أن تفتح القلوب للإيمان بالله..
والضمير الثاني، فى قوله تعالى: «منه» ويعود إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر سبحانه، فى قوله تعالى: «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ..» والشاهد، هو القرآن الكريم، كما قلنا من قبل.
ويكون المعنى على هذا: أيستوى من كان على نور من ربّه، بما أودع الله سبحانه وتعالى، فيه، من فطرة سليمة، فينظر إلى هذا الوجود ببصيرة مبصرة، وقلب سليم، حتى يعرف ربّه، ويؤمن به، مستهديا إلى هذا الإيمان عن طريق التدبّر والنظر.. ثم يزداد معرفة، ويزداد إيمانا واطمئنانا، حين يلتقى برسول الله، ويستمع إلى كلمات الله، فيجد منها شاهدا مبينا يشهد بصدق ما وقع لنظره وما اهتدى إليه بعقله، من التعرف على الله والإيمان به- أيستوى من هذا شأنه ومن ختم الله على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة، فلم يهده نظره إلى الإيمان، إذ كان أعمى، ولم يستجب لمن يقوده إليه؟ شتان ما بين النور والظلام، والحق والباطل..
- وفى قوله تعالى: «وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً».
الضمير فى «قبله» يعود إلى الشاهد، وهو القرآن الكريم..
والمعنى أن من قبل هذا القرآن كان كتاب موسى، وكان هذا الكتاب «إماما»، أي متقدما فى الكتب السماوية «ورحمة» لما حمل إلى الناس من هدى ونور.. فليس هذا الكتاب الذي جاء به محمد من ربّه حدثا لم يقع فى الناس، بل لقد سبقته كتب جاءت من عند الله.. فكيف ينكر هؤلاء الضالّون أن يأتى إنسان بكتاب من عند الله؟ وكيف يقولون هذا القول الذي حكاه القرآن عنهم، منكرا متوعدا فقال تعالى: «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا