فى الكذب، مبالغين فيه، غير مقتصدين، أو واقفين به عند حدّ.. لقد كذبوا على الله، وكذبوا على أنفسهم، وكذبوا على الناس، وقلبوا وجوه الحقائق قلبا منكرا، فكانوا بهذا كاذبين وظالمين معا.
قوله: «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ» - هو بيان شارح لظلم هؤلاء الظالمين، وافتراء هؤلاء المفترين.. إنهم يصدّون عن سبيل الله.. يصدّون أنفسهم عن الإيمان، ويصدّون غيرهم عن أن يؤمنوا، ويقعدون لهم بكل سبيل، وإنهم ليريدون أن تكون سبيل الله معوجّة، بما يدخلون على الحق من ضلال، وبما يفترون عليه من كذب..
وإنهم آخر الأمر ليكفرون بالله وباليوم الآخر.. وتلك هى حصيلتهم التي حصلوها فى الدنيا، وجاءوا يحملونها على ظهورهم فى الآخرة.
قوله تعالى: أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ.. يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ.. ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ.. أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ».
أي إن هؤلاء الظالمين، الذين بلغ ظلمهم ما بلغ من الشناعة والفحش، والذين كان تعجيل العذاب لهم، يأخذهم بظلمهم فى الدنيا، أمرا تستدعيه الحال- هؤلاء لم يعجّل الله لهم العذاب فى الدنيا، لا لأن قوة تعصمهم من الله، أو تردّ عنهم بأسه- تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.. فما كانوا «معجزين فى الأرض» أي ما كانوا ليعجزوا لله عن أن يأخذهم بالبلاء والهلاك، كما أخذ الظالمين من قبلهم، وما كان لهم من أولياء يدفعون بأس الله عنهم، ولكنه سبحانه أخّرهم إلى يوم القيامة، حيث أن عقاب الدنيا، لا يستوفى منهم ما هم أهل له من بلاء ونكال.. والله سبحانه وتعالى يقول:
«وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ