فذلك بعض ما يوجبه عليه ولاؤه لمن خلقه، ورزقه، وهداه إلى الإيمان، وإلا كان مستحقّا للانتقام، والعقاب.. وإنه لن يجد ناصرا ينصره، ويدفع عنه ما يريد الله به! وشتّان بين ما يدعوهم إليه صالح، مما فيه رشدهم وخيرهم، وما يدعونه هم إليه، مما يعرضه لنقمة الله وعذابه..
- وفى قوله تعالى: «فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ» إشارة إلى أنه إذا أخذ برأى قومه، وخرج عن طاعة الله، ووقع تحت نقمته، ثم دعاهم إلى نصرته من دون الله، فلن يكون له منهم إلا بلاء إلى بلاء، وخسران إلى خسران! لأنه إنما ينتصر بمخذولين، واقعين تحت النقمة والبلاء، فلن يقدموا له- إن قدموا شيئا- إلا ما عندهم من بلاء وعذاب! «فما تزيدوننى غير تخسير».
قوله تعالى:
«وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ».
وبين يدى تلك الدعوة، التي دعا بها صالح قومه إلى الإيمان بالله، أقام لهم آية متحدية من آيات الله، تشهد له بأنه رسول الله.. فهذه ناقة الله. قد نصبها الله لهم آية، ورفعها لأعينهم، ليشهدوا منها ما لم يشهدوا من النّياق التي عرفوها.. إنها ناقة على صفة عجيبة.. إنها آية من آيات الله، ولهذا جاء وصفها بأنها «ناقة الله»، أي آيته إليهم.. فليأخذوا منها الشاهد الذي يشهد بقدرة الله، ويحدّث عن علمه، وحكمته، ومن ثمّ يقوم لهم منها دليل آخر على صدق الرسول، الذي جاءهم يدعوهم إلى الله.. فليصدقوه وليؤمنوا به، وليدعوا الناقة تأكل فى أرض الله- شأنها فى هذا شأنهم، ولها فى الأرض مالهم، لأنها ناقة الله، والأرض أرض الله، وهم عبيد الله، والأرض التي يعيشون عليها