وثانيا: حصر الأجل المضروب لهلاكهم بثلاثة أيام، هو غاية ما يمكن أن يقع فى النفس موقع الاهتمام له والالتفات إليه.. ولو امتد الزمن إلى أكثر من هذا لما التفتت إليه النفوس هذا الالتفات الذي يشدها إليه، ويقيمها على همّ وقلق من لقائه.. ولو قصر الزمن إلى ما دون ذلك لقصرت فترة العذاب النفسي الذي عالجه القوم قبل أن يهلكوا..
فهذه الأيام الثلاثة التي عاشها القوم قبل أن يحلّ بهم الهلاك قد أقتت بحكمة الحكيم العليم، فكانت بوتقة عذاب، تجرّع منها القوم جرعات الموت قبل أن يحل بهم الموت..!
لقد شخصت أبصار القوم إلى هذه الأيام الثلاثة وما يطلع عليهم فى أعقابها.
وقد طلع عليهم منها الويل والبلاء:
«فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منّا ومن خزى يؤمئذ إن ربك هو القوى العزيز».. لقد نجى الله صالحا والذين آمنوا معه، إذ عزلهم عن القوم الظالمين، وما رماهم به من مهلكات، فهو- سبحانه- الذي لا يعجزه ما يعتزّ به الظالمون من قوة وسلطان، وما يعتصمون به من قلاع وحصون..
«وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها.. أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ».
والصيحة التي أخذ بها القوم، هى صيحة الحق، وهو صوت العذاب الذي نزل عليهم، فرجفت بهم الأرض منه، «فأصبحوا فى ديارهم جاثمين»..
أي جمد الدم فى عروقهم، من رجفة الصيحة، فلم يتحرك أحد منهم حركة، ولم يتنفس نفسا! إنها صيحة تحمل فى كيانها صاعقة، أقرب مثل إليها الرعد المحمل بالصواعق المهلكة.. وهكذا صاروا جثثا هامدة، وتحولت ديارهم إلى