فهذه المقترحات التي يقترحونها على النبىّ إن هى إلا تعلّات يتعلّلون بها لأنفسهم، ويرضّونها بهذه العلل، حتى لا تنزع بهم إلى الاستسلام لهذه القوة القاهرة التي تطلّ عليهم من عل، فى كلمات الله، وآيات الله.. وقد كشف الله سبحانه وتعالى عن هذا الشعور المتسلط عليهم، والذي يسوقهم إلى ركوب هذه الشاقّة، والتعلل بهذه العلل، فقال تعالى: «وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ» (١٤- ١٥: الحجر).
وفى قوله تعالى: «فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ» ردّ، وجبه لهؤلاء المشركين فيما يقترحونه على النبىّ من آيات ماديّة محسوسة، كأن يطلعهم على ما يأكلون، وما يدّخرون، وما يقدّرون لهم فى تجاراتهم وأعمالهم، من ربح أو خسارة، ونحو هذا.. فذلك ليس لبشر أن يعلمه، وإنما هو مما استأثر لله سبحانه وتعالى بعلمه.. لا يشاركه فيه أحد من خلقه.. وقد أمر الله سبحانه النبىّ أن يعلن فى الناس أنه لا يعلم من الغيب شيئا، فقال كما أمره الله سبحانه أن يقول:
«وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (١٨٨: الأعراف).
وفى قوله تعالى: «فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ» تهديد ووعيد لهؤلاء المشركين، الذين أمسكوا بأنفسهم، على هذا المرعى الوبيل من الضلال والشرك، عنادا، وجماحا.. فلينتظروا، والنبىّ منتظر معهم، وسيرون وسيرى من تسكون له عاقبة الدار.. «قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» (١٣٥: الأنعام).
قوله تعالى: «وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ»