والآية الكريمة تحدث عن مقولة من مقولات المشركين المنكرة، وتكشف عن موقف من مواقفهم السفيهة، من النبىّ، إذ يلقون النبىّ بهذا الاستهزاء، ويلقون إليه بتلك السبّة المفضوحة.. «إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ».. يقولونها هكذا.. فى تأكيد وإصرار! - وفى الإشارة إلى النبي بقولهم: «يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ» استصغار للنبىّ وإحقار له، إذ ينادونه من مكان بعيد.. «يا أَيُّهَا الَّذِي».. مع إعراضهم عن ذكر اسمه.. ومناداته بالصفة التي جاءهم عليها، إنما كأنه إنكار لتلك الصفة، وتشنيع عليه بها.. إذ كانوا ينكرون على النبي أن ينزل عليه هو الذكر، من بينهم، كما يقول سبحانه وتعالى عنهم: «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ» (٢٥: القمر) وقوله تعالى: «لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»..
يكشف عما أراده المشركون بقولهم: «يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ» وأنهم إنما يقولون ذلك استهزاء وسخرية وتكذيبا، ولهذا جاء قولهم: «لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» تحدّيا للنبىّ أن يدفع التهمة التي يتهمونه بها، وهى الادعاء الكاذب، بأنه يحمل إليهم آيات الله التي أوحيت إليه.. فإن كان ذلك الذي يدّعيه حقّا، وأنه متصل بالسماء، فليأت بالملائكة تحدثهم، وتشهد له أنه رسول الله.. عندئذ يعرف صدقه، ويقبل قوله! ولو ما: حرف تحضيص، بمعنى هلّا.
قوله تعالى: «ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ» أي لا ينزل الله سبحانه الملائكة، استجابة لأهواء أصحاب الضلالات، وإنما ينزلهم سبحانه بما يأمرهم به، كالسفارة بينه وبين رسله، أو كالعذاب الذي يرسلهم به إلى من يريد إهلاكهم من القوم الظالمين. وكل هذا حقّ من عند الله سبحانه..!


الصفحة التالية
Icon