الله سبحانه وتعالى هذا التحدّى الوقاح السافر.. ولكن تلك هى مشيئة الله فى هذا المخلوق الشقىّ التعس.. وقد أراده- سبحانه- ليكون، الظلام الذي يواجه النور، والشرّ الذي يقابل الخير.. وبهذا تتمايز الأمور، وتنكشف حقائق الأشياء.. إذ لولا الظلام ما عرف النور، ولولا الشرّ ما استبان الخير.. وهكذا كل ضدّ يكشف عن ضده.. «وبضدّها تتميز الأشياء» !: «قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ»..
وإنها لشقوة غالبا، وبلاء مبين، وضلال تعمى معه البصائر، وتذهب العقول..
يسأله الحق جلّ وعلا، «ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ» ؟ وذلك ليأخذ اعترافه من فمه، وإلّا فالله سبحانه عالم بما سيقول هذا الشقىّ، مستغن عن أن يسأل، وعن أن ينطق إبليس بما نطق به..
ولقد نطق إبليس بهذا التحدّى لوقاح، «لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ».. وفى آية أخرى كشف إبليس عن حجته الضّالة فى إبائه السجود لآدم، فقال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» ! (١٢: الأعراف).
ومن أين لهذا اللّعين أن النار خير من الطين؟ وما وجه الخيريّة فى النّار؟
إنه الضلال، ولا شىء غيره، هو الذي زيّن لهذا الغوىّ رأيه فى نفسه.. والله سبحانه وتعالى يقول فى أهل الغواية والضلال: «كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» (٣٢: الروم)..
: «قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ».


الصفحة التالية
Icon