آخر، وأقوام آخرين غير قومه.. وستدور معارك، وتسيل دماء، ويبتلى النبي فى نفر كريم عزيز من أصحابه، يسقطون فى هذه المعارك، وسيقوم النبي على توجيه مجتمع إسلامى ضخم، بعد أن يجيئه نصر الله، ويفتح مكة، ويدخل الناس فى دين الله أفواجا! إن هذا البلاء العظيم الذي ابتلى به الرسول، هو- كما قلنا- إعداد لما سيستقبل من تلك الأحداث الكبرى، وإن هذا البلاء أشبه بعمل المحاريث والفئوس، فى شقّ الأرض، وتقليب تربتها قبل أن يلقى فيها الحبّ.. فذلك هو الذي يتيح لها الجو الصالح، لأن تعطى خير ما فيها من عناصر الإنبات، لما يلقى فيها من حبّ! نقول إنه فى هذا الجو الثقيل الخانق، الذي كان يضيق به صدر الرسول فى مكة- خرج إلى الطائف، يعرض نفسه، ويقدّم دعوته إلى «ثقيف» يلتمس منهم الاستجابة له، والنصرة لدعوته، والمنعة بهم من قومه.. وكان معه فى رحلته تلك، مولاه زيد بن حارثة! ولما انتهى الرسول الكريم إلى الطائف، عمد إلى سادة ثقيف وأشرافهم، فدعاهم إلى الله، فلم ير منهم إلا إعراضا، وسفها، وتكذيبا، واستهزاء..
وكان فيما قال له صاحب كلمتهم: «والله لا أكلمك أبدا! لئن كنت رسولا- كما تقول- لأنت أعظم خطرا من أن أردّ عليك السلام! ولئن كنت تكذب على الله. ما ينبغى لى أن أكلمك!!» إنها سفسطة أحمق، وضلالة ظلوم جهول! فقام رسول الله من عندهم، وقد يئس من خيرهم، إن كان فيهم خير، وقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: «أما إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عنى..»
إذ كره رسول الله، أن يبلغ ذلك قومه عنه، فيغربهم ذلك به، ويدفعهم إلى