فقد كان ذكر موسى.. والكتاب الذي أنزل عليه، أقرب وأولى ما يذكر فى هذا المقام.. ولهذا جاء قوله تعالى:
«وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا».
فهذه الآية معطوفة على ما قبلها. والتقدير: سبّحوا- أيها الناس- ربّكم الذي أسرى بعبده محمد ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والذي آبى موسى الكتاب وجعله هدى لبنى إسرائيل، فوجب عليهم أن يشكروا الله، وأن يأخذوا حظهم من هذا الهدى الذي جاءهم به رسول الله، وألا يتخذوا من دون الله وكيلا يتعاملون معه، ويسندون إليه أمورهم، ويجعلون عليه معتمدهم!..
[الحقيقة المحمّدية.. وما يقال فيها]
ونلمح فى هذا العطف سرّا لطيفا، تشّع منه دلالات تشير إلى مقام النبي الكريم، ومنزلته عند ربّه، وأنه صلّى الله عليه وسلّم، هو هدى فى ذاته وشخصه، يقابل الهدى الذي حملته التوراة إلى بنى إسرائيل! فالرسول- صلوات الله وسلامه عليه- بما رأى من آيات ربّه الكبرى فى إسرائه ومعراجه، وما حمل فى كيانه من معالم الحق فى هذه الليلة المباركة- قد أصبح هو فى ذاته كتابا من كتب الله، ورسالة من رسالاته، يجد فيها أولوا البصائر للشرقة، وأصحاب القلوب السليمة، ما يجد المؤمنون بالله، فى آياته وكلماته من هدى ونور.. وهذا ما يحدّث به الحديث الشريف: «أنا رحمة مهداة»..
فالنبىّ الكريم فى ذاته، هو رحمة، بما نطق به من كلماته، وبما استملى الناس من سيرته، وبما اقتبسوا من أدبه وعلمه وحكمته..


الصفحة التالية
Icon