- «إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً».
ووهن العظم، ضعفه ودقته.. وإذا ضعف عظم الإنسان ووهى، أو شك أن ينهار بنيانه، وأن تنقض أركانه.. فهيكل الإنسان هو هذا العظم، الذي يقوم به شكله، وتتحدد به هيئته..
وقوله: «وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي» أبلغ فى الإبانة عن الضعف، وذهاب القوة، من قوله: «وهن عظمى».. إذ أن القول الأول يشير إلى أنه لا عظم معه، بل لقد ذهب هذا العظم، وما بقي منه فإنه لا غناء فيه.. أما القول الآخر فإنه يحدّث عن أن معه عظما، وأنه لا زال يملكه ويحرص عليه..
- وقوله: «وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً» أبلغ كذلك فى الإبانة عن استيلاء الشيب على الرأس كلّه، من قوله: «واشتعل رأسى شيبا».. فإن فى النظم الذي جاء عليه القرآن دلالة على أن هذا الرأس كائن غريب يكاد ينكره صاحبه، لأنه أصبح بهذا الشيب على صورة غير تلك الصورة التي عهده صاحبه عليه منذ عرف أن له رأسا.. فهذا الرأس كان أسود الشعر، أو أصفره.. ثم ها هو ذا يراه وقد استحال إلى بياض معتم، كرماد تخلّف من النّار! - وقوله: «وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا» استحضار لما لله سبحانه وتعالى من سوابق الإحسان، وسوابغ الفضل على هذا العبد.. فما خذله ربّه أبدا، فى أي موقف لجأ إليه فيه، وما ردّ ربه يده فارغة فى أىّ حال مدّ إليه يده فيها.. وهو فى هذه المرّة على رجاء من أن يستجاب له فى يومه، كما استجيب له فى أمسه! - وقوله: «وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا».
هنا- وبعد أن أدّى زكريّا ما يجب من الولاء لربّه، واللّجأ إلى فضله وإحسانه،


الصفحة التالية
Icon