هذه الدنيا، بل ربّما أخذته يدهم قبل أن يولد، فشقّوا بطنها عنه، وأخذوه حيّا أو ميتا..!
- وفى قوله تعالى: «إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى» إشارة إلى أن ما أوحى به إليها إنما كان مما يناسب هذه الحال التي هى فيها، ولهذا صدّر الوحى بكلمة «ما» الدالة على التعميم، والتي فسّرت بقوله تعالى: «أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ» وهو ما أوحى إليها به..
وفى العدول عن أن يكون النظم القرآنى هكذا: ضعيه فى التابوت ثم ضعيه فى اليم- إلى ما جاء عليه النظم القرآنى: «أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ، فِي الْيَمِّ» - إشارة إلى أن الخطر المطلّ عليها من أعوان فرعون، كان داهما دانيا، وأنها إذا لم تعجّل بهذا العمل أخذ وليدها منها.. ولهذا عطف قذفه فى اليم على قذفه فى التابوت بحرف الفاء، الذي يفيد التعقيب المباشر، دون فاصل زمنى بين الأمرين..
والتابوت، أشبه بالصندوق، يسوّى من خشب أو نحوه.. وفى قوله تعالى:
- «فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ» أمر من الله سبحانه وتعالى إلى اليمّ، وهو النهر، أن يلقى موسى إلى الساحل، وألا يبتلعه فى كيانه.. وهذا إشعار لأم موسى بالطمأنينة على وليدها، وأن اليمّ لن يبتلعه، وقد تلقّى هذا الأمر من صاحب الأمر فيه.
- وكذلك ما جاء فى قوله تعالى: «يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ».. إنه أمر لفرعون أن يأخذ هذا الوليد.. وفرعون هذا عدوّ لموسى.. ومع هذا، فإنه لا يملك من أمر نفسه، إلّا أن يأخذ عدوّه هذا، ويربيه، ويجعله ابنا له!! فما أعظم قدرة الله، وما أمكن سلطانه!.
- وفى قوله تعالى: «وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي» إشارة إلى ما صنع الله لموسى، إذ جعل عدوّه الذي يطلب قتله، محبّا له، حبّ الآباء