لم يشأ موسى- فى هذا الجواب- أن يجرى مع فرعون فى هذا التيه، وأن يبتعد عن غايته التي جاء من أجلها..
ولهذا جاء إلى فرعون بالجواب على تلك الصورة: «عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي» أي لا أعلم من أمرها شيئا.. وإنما علم ذلك عند ربى.. ثم أتبع ذلك بقوله:
«فِي كِتابٍ» أي أن أخبار هذه القرون السابقة وأحوال الشعوب والأمم الغابرة، مسطورة فى كتاب.. ثم لكى يقطع على فرعون الطريق إلى أن يسأله «وهل ربك ينسى حتى يسجل ما يقع من أحداث؟» - لكى يقطع الطريق إلى هذا، قال: «لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى» أي أن هذا الكتاب الذي تسجل فيه أحداث الوجود، إنما هو بعض علم الله، كما أن هذا الوجود هو بعض قدرته..
أما ربى فإنه لا يضل ولا ينسى..
هذا هو ردّ موسى على فرعون، وجوابه على هذا السؤال المماحك الغبي..
أما قوله تعالى:
«الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى»..
أما هذه الآيات الأربع، فإنها معترضة بين أحداث القصة، لتذكر بنعم الله، وتزيد فى العرض لدلائل قدرته، ثم إنها من جهة أخرى فاصل بين مجرى الأحداث، يخرج فيه الناس من هذا الجو المتأزم، إلى رحاب هذا الوجود، حيث يستمعون فيه إلى هذا النشيد العلوي، المسبح بحمد الله، المحمل بجلائل نعمه وأفضاله على عباده..


الصفحة التالية
Icon