العذاب لا يدرك مداه إلا من يؤمنون بالله وباليوم الآخر..
وإذن فالذى وقع فى السحرة من هذا التهديد، هو مجرد توقعات لهذا العذاب، كما تصوره فرعون..
أما العذاب الذي سيأخذهم به فرعون، فهو عذاب حاضر واقع فى الحال، وهو عذاب- على تلك الصورة- فظيع مهول! ولهذا وازن فرعون بين عذابه، والعذاب الذي توعد موسى السحرة به، وأراهم أن عذابه أشد: «وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً» أعذابي الحاضر، أم العذاب الذي يهددكم به موسى؟ وأنا، أم موسى «أبقى» لكم، وأملك لأمركم، وأقدر على التسلط عليكم؟
«قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا.. فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا.. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ.. وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى»..
وهكذا الإيمان إذا جاء إلى الإنسان، أو جاء إليه الإنسان عن طريق النظر، والبحث، والتحليل، والتعليل.. إنه حينئذ إيمان يخالط المشاعر، ويملك القلوب، ويأسر العقول، ويجعل من الإنسان الفقير الضعيف، قوة هائلة، تتحدى الجبابرة، وتستخف بأعظم الأهوال، وأشد الخطوب..
وهل كان يقع فى الحسبان أن جماعة من رعايا فرعون، وعابديه، الذين ولدوا- كما ولد آباؤهم- فى ظل ربوبيته، وسلطان ألوهيته- هل كان يقع فى الحسبان أن يجىء يوم يقف فيه هؤلاء «العباد» فى وجه هذا «الإله» موقف التحدّى، بل والاستخفاف والسخرية؟ ولكنه الإيمان، يفعل المعجزات، ويقلب الأوضاع والمواضعات!


الصفحة التالية
Icon