كاهله، ويعيا به جهده.. لأنه يحيا بغير نور، ويسعى على غير هدى..
ثم يتجه الخطاب بعد هذا إلى المعرضين جميعا عن هذا الذكر.. إنهم سيحملون هذا الوزر أبدا، لا يتخلّى عنهم، ولا يرفع عن كواهلهم.. وهو حمل يسوء حامليه يوم القيامة، ويصبّ عليهم البلاء صبّا..
والسرّ فى إفراد الخطاب أولا، ثم فى جمعه ثانيا «مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ...
وَساءَ لَهُمْ»، هو- والله أعلم- أن الإعراض عن الذكر حال من أحوال الإنسان فيما بينه وبين نفسه.. لا ينكشف لغيره من الناس، إلا ما شفّ عنه عن ظاهره، أما ما انطوى عليه باطنه- وهو الذي يمثل الحقيقة، فإنه سرّ بين الإنسان وخالقه..
أما يوم القيامة، فلا سرّ، حيث تفضح الأعمال، وينكشف المستور..
وهنا يجتمع المجرمون إلى المجرمين.. وإذا هم جميعا على حال سواء..
قوله تعالى:
«يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً»..
الظرف هنا «يوم» هو بدل من الظرف فى قوله تعالى: «وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا» فيوم القيامة، هو يوم النفخ فى الصور، حيث يحشر المجرمون يومئذ زرقا، أي زرق الوجوه، لما يركبهم يومئذ من همّ وكرب، وما يظهر على وجوههم من آثار هذا الهم، وذلك الكرب، إذ كانت الوجوه هى التي تكشف عما يقع على مشاعر الإنسان من سوء أو مسرة.. كما يقول سبحانه وتعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها.. فاقِرَةٌ» (٢٢- ٢٥: القيامة).
وكما يقول سبحانه فى وجوه أهل النعيم «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ» (٢٤: المطففين) وفى وجوه أهل الشقوة والجحيم: «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ