وأن النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- قد وقع منه هذا الحديث موقعا..
فكربت لهذا واضطربت، ورجعت إلى البيت محمومة يكاد يقتلها الأسى، ويفرى كبدها الألم! ثم استأذنت رسول الله ﷺ لتمرّض عند أبويها.. فأذن لها!!.. وكان ذلك مما ضاعف فى بلوتها، لأنها ما استأذنت إلا لترى ما عند النبىّ لها.. فلما أذن لها عرفت ما هناك! ثم كان حديث عاصف ثائر، كادت تزلزل به أركان هذا البيت الكريم، بيت الصدّيق رضى الله عنه..
ولا نحسب أن أمرا عرض لأبى بكر، منذ صحب الرسول إلى هذا اليوم، كان أشدّ وقعا عليه، وابتلاء لصبره، وإيمانه، وإيثاره لرسول الله صلى الله عليه وسلم- من هذا الأمر، الذي هيأ نفسه فيه لتقديم ابنته، وشرفه، على مذبح التضحية والفداء، فى سبيل الله، ومن أجل رسول الله..
إنه- رضوان الله عليه- لم ينظر إلى نفسه، ولا إلى ابنته، وإنما نظر إلى رسول الله، وما أصابه فى نفسه من هذا الأمر.. وإنه ليودّ مخلصا أن لو نزل طير من السماء، فاختطف ابنته، أو انشقت الأرض فابتلعتها، إذ كانت- فى نظره يومئذ- هى الشوكة التي شاك بها المشركون والمنافقون رسول الله..
وإنه لا شىء أبغض إلى الصديق- رضوان الله عليه- من شىء يجىء إلى رسول الله منه ما يسوؤه، ولو كانت نفسه التي بين جنبيه، أو كانت فلذة كبده..
عائشة، رضوان الله عليها! إن الصدّيق- رضوان الله عليه- لم يكن ينظر إلى تلك الفرية إلا من حيث ما أصاب الرسول منها من أذى..
وسواء أصحت عنده تلك التهمة أو لم تصح.. فإنها آذت النبيّ.. والصدّيق لا يهمه فى الدنيا شىء، إلا أن يرى النبىّ معافى من كل ضرّ، بعيدا عن كل


الصفحة التالية
Icon