وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا.. أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
«وَلا يَأْتَلِ» : أي ولا يمتنع، أو يقصّر.
هذه الآية الكريمة، نزلت فى أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- وكان قد حلف ألّا ينفق على «مسطح» بعد أن خاض مع من خاضوا فى حديث الإفك. وكان مسطح قريبا لأبى بكر، وقد هاجر فيمن هاجر إلى المدينة، وكان فقيرا، يعينه أبو بكر، وينفق عليه من ماله، وقد انزلق مسطح إلى هذا المنحدر، وكان رأسا من رءوس الخائضين فى هذه الفتنة.
وفى هذه الدعوة السماوية لأبى بكر، تكريم عظيم له، وإعلاء لمنزلته عند الله.. إذ دعاه الحق سبحانه وتعالى إلى التي هى أحسن، وهو أن يلقى السيئة بالحسنة، ويدفع الشر بالخير.. وهذه المنزلة عالية لا ينالها، إلا من أراد الله لهم الكرامة والإحسان.. وفى هذا يقول الله تعالى: «وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (٣٥: فصلت).
ومن وجهة أخرى، فإن الله سبحانه وتعالى أرى أبا بكر المثل الأعلى فى ذاته سبحانه وتعالى، إذ وصف ذاته سبحانه هنا بقوله: «وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»..
أي فكن ربانيا أيها الصديق، وكن غفورا رحيما، أيها الإنسان المبارك، لأنك عبد لربّ غفور رحيم.. ومن شأن العبد الصالح أن ينظر إلى سيده، ويتّبع سبيله..
وليس هذا فحسب، بل إنه تعالى نادى عبده، ودعاه إلى رحاب المغفرة بقوله: «أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ» ؟ ومن ذا الذي لا يحب أن يغفر الله له؟. ولهذا كان جواب أبى بكر على هذا النداء الكريم، وتلك الدعوة المباركة: «بلى والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا».


الصفحة التالية
Icon