هذه نظرة شاعر.. نظر إلى هذه الظاهرة من ظاهرها، وشغل بألوانها، وألحانها، عما وراء هذه الألوان، وتلك الألحان، من حقائق، تصل هذه القطعة من الطبيعة بالوجود كله، ثم تضيف هذا الوجود إلى الموجد، المبدع، المصوّر! وإليك نظرة نبىّ! ومن؟ إنه نبىّ الأنبياء، وخاتم المرسلين، محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه..
فقد روى أنه- صلوات الله وسلامه عليه- كان إذا نزل المطر، خرج إلى العراء، وكشف له عن رأسه، واحتواه بين ذراعيه.. وكان صلوات الله وسلامه عليه يقول: «إنه قريب عهد بربه».. أي إنه رحمة مرسلة من عند الله.. رحمة محسوسة ملموسة، ترى بالعين، وتلمس باليد، وتذاق باللسان..!
فمن أراد أن يشهد رحمة الله عيانا، فهى فى هذا الماء المنزّل من السماء.. صافيا طاهرا، لم يعلق به شىء من أخلاط الأرض.. إنه فى طهر المواليد التي تلدها الحياة.. من إنسان أو حيوان أو نبات! قوله تعالى: «وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ».. أي وينزل من جبال فى السماء، وهى السحب المتراكمة- بردا، وهو قطع الثلج..
فقوله تعالى: «مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ» بدل من السماء..
وفى الإشارة إلى هذه الظاهرة، إشارة إلى أن هذه السحب التي ينزل منها الماء، هى أيضا، وإن كانت مصدر نعمة، يمكن أيضا أن تكون مصدر نقمة، حين ينزل منها هذا البرد، وكأنه قطع من الأحجار، تتساقط من الجبال، فتهلك كل من تقع عليه، وكأنها بهذه العقوبة الراصدة إلى جانب تلك النعمة


الصفحة التالية
Icon