القرية، وخوفا من أن ينهار عليهم بنيانها، أو تخسف بهم أرضها.
قوله تعالى:
«لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ».
هذا هو صوت الحال ينادبهم: إلى أين؟ قفوا حيث أنتم، ولا تركضوا كركض الحمر المستنفرة.. إنكم لن تفلتوا من هذا البلاء النازل بكم..
ولمن تتركون دياركم وما حشدتم فيها من متاع، وما جلبتم إليها من متع؟.
وكيف تتركون هذا الذي أنتم فيه من ترف ونعيم؟ ارجعوا.. أفتذهبون وتتركون هذا الذي أذهبتم حياتكم، واستهلكتم أعماركم فى إعداده وجمعه؟
ارجعوا، ولو كان فى ذلك هلاككم.. إن السفينة لتغرق ويغرق معها كل شىء لكم.. فما حياتكم بعد هذا؟
وفى قوله تعالى: «وَمَساكِنِكُمْ» إشارة إلى ما للوطن، والسّكن، من مكان مكين فى قلب الإنسان.. وأنه شىء أحبّ وآثر من كل ما يحرص الإنسان عليه، وأن نعيم الإنسان لا يجتمع إلا فيه، ولا يتمّ إلا به.. وإن الغريب الذي لا وطن له ولا سكن، هو إنسان ضائع شقىّ، وإن طعم أطيب المطاعم، ولبس أفخر الملابس، ونزل أحسن المنازل.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» (٦٦: النساء).
فجاء هنا الخروج من الديار، معادلا لقتل النفس! وفى قوله تعالى: «لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» استهزاء بهم، وسخرية من مشاعرهم


الصفحة التالية
Icon