وقد سلكنا فى الوصول إلى فهم الآيات التي أشارت إلى بعض نظريات فى مختلف الفنون استطلاع آراء العارفين بها، فاستطلعنا آراء الطبيب النطاسي، والفلكي العارف والمؤرخ الثّبت، والحكيم البصير ليدلى كل برأيه فيما تمهّر فيه، لنعلم ما أثبته العلم وأنتجه الفكر، فيكون كلامنا معتزا بكرامة المعرفة التي تشرف بتفهم كتاب الله، فرجل الدين حامل لوائها، عليه أن يسأل العلم دائما ليستبصر بما ثبت لديه، ويساير عصره ما وجد إلى ذلك سبيلا، فإن قعدت به همته إلى الموروث من قضاياه لدى الماضين ركب شططا وازداد بعدا عن الحقيقة، وتضاءل أمام نفسه وأمام قارئي بحوثه ومؤلفاته.
(٧) ميزة العصر الحاضر في وسائل التفاهم:
يمتاز هذا العصر بميل أهله لسهولة الكلام ليفهم الغرض المراد منه حين التخاطب، دون احتياج إلى النقاش وصنوف التأويل، ومن ثم كان أهم ما عنيت به أن أقرأ فى الموضوع الواحد ما كتبه أعلام المفسرين على اختلاف نزعاتهم وتباين أزمنتهم حتى إذا اطمأننت إلى فهم ما قرأت وتمثلته وهضمته، كتبته بأسلوب العصر الحاضر، وهذا هو نهجى فى تأليف هذا التفسير.
وما حملنى على ركوب هذا المركب الخشن، واقتحام هذه العقبات إلا انصراف القارئين عن قراءة كتب التفسير التي بين أيدينا، بدعوى أنها صعبة المدخل مفعمة بكثير من المصطلحات التي لا يعلمها إلا من أتقن هذه الفنون، واستبدلت بأساليب المؤلفين أسلوبا سهل المأخذ قليل الكلفة فى الفهم، حتى يستطيع القارئ أن يلمّ بأسرار كتاب الله دون كدّ ولا نصب.