وهذا منهم جحود لأن يكون ما أوتيه من القرآن وغيره من المعجزات آيات كافيات فى إثبات ما ادّعى من النبوة.
(كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) أي ومثل هذه الأسئلة التي يراد بها التعنت لإجلاء الحقيقة، قد قالها من قبلهم من الأمم الماضية، فقد قال اليهود لموسى:
(أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)، و (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) إلى نحو ذلك، وقالت النصارى:
(هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) فهذه أقوال صدرت عنهم للتشهى واتباع الهوى تعنّتا وعنادا لا للوصول إلى كشف غامص وجلاء حقيقة كما قال تعالى: (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
ثم ذكر السبب في اتحاد مقالهم ومقال من سبقهم فقال:
(تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) أي تماثلت قلوب هؤلاء وقلوب من قبلهم في العمى والقسوة والعناد، والألسنة ترجمان القلوب، والقلب إذا استحكم فيه الكفر والعمى لا يجرى على لسان صاحبه إلا ما ينبئ بالتباعد عن الإيمان من معاذير لا تجدى، وتعلّات لا تفيد.
فالحق واحد، ومخالفته هى الضلال وهو واحد وإن تعددت طرقه واختلفت وجوهه، وآثاره تتشابه حين تصدر عن الضالين حتى كأنهم متواصون به فيما بينهم كما قال تعالى:
(أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ).
(قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي إننا لم نتركك بلا آية، بل بينا للناس الآيات على يديك بما لا يدع مجالا للريب لدى طالبى الحق بالدليل والبرهان، ولديهم الاستعداد للعلم واليقين، ولن يكون هذا إلا لمن صفت نفوسهم، وسلموا من العناد والمكابرة اللّذين يمنعان من وصول نور الحق إلى القلوب، وقد كان كبار الصحابة يراجعون النبي ﷺ فيما لم يظهر لهم دليله، لأنهم طبعوا على معرفة الحق بالبينة.


الصفحة التالية
Icon