والمراد بقوله: يوم خلق السموات والأرض، الوقت الذي خلقهما فيه باعتبار تمامه ونهايته فى جملته وهو ستة أيام من أيام التكوين باعتبار تفصيله وخلق كل منهما وما فيهما.
وقوله: فى كتاب الله، أي فى نظام الخلق والتقدير والسنن الإلهية فيه، أو فى حكمه التشريعي كحرمة الأشهر الحرم، وكون الحج أشهرا معلومات، وكون ما يتعلق بالشهور من الفرائض والسنن: كالحج والصيام وعدة المطلقات والرضاع، فالمعتبر فيه الأشهر القمرية، ومن حكمة ذلك أنه يجعل الصيام والحج يدور فى جميع أجزاء السنة، ومنها ما يشقّ فيه أداؤهما، ومنها ما يسهل فيه ذلك.
(مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) أي منها أربعة فرض الله احترامها وحرّم فيها القتال على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ونقلت العرب ذلك عنهما بالتواتر القولى والعملي وإن كانت قد أخلت بذلك أحيانا اتباعا لأهوائها، وهذه الأشهر منها ثلاثة متواليات، وهى ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم، وواحد فرد وهو رجب.
روى أحمد عن أبى بكرة أن النبي ﷺ خطب فى حجة الوداع بمنى فى أوسط أيام التشريق قال: «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، ثم قال: ألا أىّ يوم هذا؟
قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال أليس يوم النحر، قلنا بلى. ثم قال: أىّ شهر هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، ثم قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا بلى، ثم قال: أىّ بلد هذا، قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست البلدة؟
قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم- وأحسبه قال- وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدي ضلّالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلّغت؟ ألا فليبلّغ الشاهد منكم الغائب، فلعل من يبلّغه يكون أوعى له من بعض من سمعه».