وإنه ليستبين من هذا القصص أن امرأة العزيز كانت مالكة لقياد زوجها الوزير الكبير، تصرفه كيف شاءت وشاء لها الهوى، إذ كان فاقدا للغيرة كأمثاله من كبراء لدنيا صغار الأنفس عبيد الشهوات.
قال فى الكشاف عند ذكر ما رأوا من الشواهد الدالة على براءته: وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها، وفتلها منه فى الذروة والغارب، وكان مطواعة لها، وجملا ذلولا زمامه فى يدها، حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات وعمل برأيها فى سجنه لإلحاق الصغار به كما أوعدته، وذلك لما أيست من طاعته، وطمعت فى أن يذلله السجن ويسخره لها اه.
وإنا لنستخلص من هذه القصة الأمور التالية:
(١) أن النقم قد تكون ذريعة لكثير من النعم، ففى بدء القصة أحداث كلها أتراح، أعقبتها نتائج كلها أفراح.
(٢) أن الإخوة لأب قد توجد بينهم ضغائن وأحقاد ربما تصل إلى تمنى الموت أو الهلاك أو الجوائح التي تكون مصدر النكبات والمصايب (٣) أن العفة والأمانة والاستقامة تكون مصدر الخير والبركة لمن تحلى بها، والشواهد فيها واضحة، والعبرة منها ماثلة، لمن اعتبر وتدبر ونظر بعين الناقد البصير.
(٤) إن أسها ودعامتها هو خلوة الرجل بالمرأة فهى التي أثارت طبيعتها وأفضت بها إلى إشباع أنوثتها، والرجوع إلى هواها وغريزتها، ومن أجل هذا حرم الدين خلوة الرجل بالمرأة وسفرها بغير محرم،
وفى الحديث «ما اجتمع رجل وامرأة إلا والشيطان ثالثهما».
وإنا لنرى فى العصر الحاضر أن الداء الدوىّ، والفساد الخلقي، الذي وصل إلى الغاية (وكلنا نلمس آثاره، ونشاهد بلواه) ما بلغ إلى ما نرى إلا باختلاط الرجال بالنساء فى المراقص والملاهي، والاشتراك معهم فى المفاسد والمعاصي كمعاقرة الخمور، ولعب القمار فى أندية الخزي والعار، وسباحة النساء مع الرجال فى الحمامات المشتركة.