الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ؟»
أي إنه يجب عليهم أن يعلموا أن السموات والأرض كانتا مادة واحدة متصلة لا فتق فيها ولا انفصال، وهى ما تسمى لدى علماء الفلك السديم، ويسميها القرآن الدخان، ففتقناهما بفصل بعضهما من بعض فكان منها ما هو سماء ومنها ما هو أرض، وجعلنا من الماء كل شىء حى، أفلا يؤمنون بأن الرب الذي خلق كل هذا هو الذي يعبد وحده ولا يشرك به شىء، وأنه قادر على إعادة الخلق كما بدأه أول مرة؟
والخلاصة- إن الماء أصل جميع الأحياء وهو الذي يتنزل إليه أمر التدبير والتكوين.
ثم علل خلقه بما ذكر ببعض حكمه الخاصة بالمكلفين المخاطبين بالقرآن فقال:
(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) أي ليجعل ذلك ابتلاء واختبارا لكم فيظهر أيّكم أحسن إتقانا لما يعمله لنفسه وللناس، ذاك أنه تعالى سخر لنا ما فى الأرض وجعلنا مستعدين لإبراز ما أودعه فيها من منافع وفوائد مادية ومعنوية، ومستعدين للإفساد والضرر، ليجزى كل عامل بما يعمل، وإنما يتم ذلك ويظهر فى الآخرة.
(وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي ولئن أخبرت هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم، ليجزيهم فيما بلاهم به كما قال: «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى» ليجيبنّك الذين كذبوا بلقاء الله قائلين: ما هذا الذي جئتنا به من هذا القرآن لتسحرنا لطاعتك وتمنعنا عن لذات الدنيا- إلا سحر بين ظاهر تسحر به العقول وتسخّر به الضمائر والقلوب وبعد أن ذكر ما يقوله المنكرون للبعث ذكر ما يقوله المنكرون لإنذار الرسول ﷺ إياهم عذاب الدنيا والآخرة بتكذيبهم له فقال:
(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ؟) أي ولئن أخرنا