(فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) أي فإذا عدتم تمتارون لأهلكم ولم يكن معكم منعتم من الكيل فى بلادي فضلا عن إيفائه وإكماله الذي كان لكم بأمرى.
(وَلا تَقْرَبُونِ) أي ولا تقربونى بدخول بلادي فضلا عن الإحسان فى الإنزال والضيافة.
وفى ذلك إيماء إلى أنهم كانوا على نية الامتيار مرة بعد أخرى، وأن ذلك كان معلوما عليه السلام، والظاهر أن ما فعله معهم كان بوحي، وإلا فالبرّ كان يقتضى أن يبادر إلى أبيه ويستدعيه، ولعل الله أراد تكميل أجر يعقوب فى محنته، وهو الفعال لما يريد فى خلقه.
(قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) أي سنجتهد ونختال على أن ننزعه من يده ونحوّله عن إرادته فى إبقائه عنده إلى إرادتنا وإرادتك، ونقنعه بإرساله معنا كما تحب.
(وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) ذلك لا محالة ولا نتوانى فيه.
(وَقالَ لِفِتْيانِهِ) أي غلمانه الكيالين.
(اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ) أي اجعلوا بضاعتهم التي اشتروا بها الطعام، وكانت نعالا وجلودا، فى أمتعتهم من حيث لا يشعرون:
(لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) أي لكى يعرفوا لنا حق إكرامهم بإعادتها إليهم وجعل ما أعطيناهم من الغلة مجانا بلا ثمن، إذا هم رجعوا إلى أهلهم وفتحوا متاعهم فوجدوها فيه.
ثم علل معرفتهم للبضاعة المردودة إليهم بقوله:
(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلينا طمعا فى برنا، فإن العوز إلى القوت من أقوى الدواعي إلى الرجوع:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)