(إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) أي إنى جحدت اليوم أن أكون شريكا لله فيما أشركتمونى فيه من قبل هذا اليوم أي فى الدنيا، وهذا كقوله: «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ».
ومعنى كفره بإشراكهم تبرؤه منه واستنكاره له، وهذا كقوله تعالى: «إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ».
(إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي قال إبليس ذلك، قطعا لأطماع الكفار من الإغاثة والنجاة من العذاب، وإنما حكى الله ذلك عنه ليكون تنبيها للسامعين، وحضّا لهم على النظر فى عاقبة أمرهم، والاستعداد لذلك اليوم الذي يقول فيه الشيطان ما يقول، فيثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيهم ويتذكروا هول ذلك الموقف ورهبته.
ولما جمع سبحانه فريقى السعداء والأشقياء فى قوله: «وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً» وبالغ فى وصف حال الأشقياء من وجوه كثيرة- ذكر حال السعداء وما أعد لهم من نعيم مقيم فى ذلك اليوم فقال:
(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي وأدخل الذين صدقوا الله ورسوله، فأقروا بوحدانيته تعالى ورسالة رسله، وعملوا بطاعته، فانتهوا إلى أمره ونهيه، بساتين تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدا، لا يتحولون عنها ولا يزولون منها.
(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بتوفيقه تعالى، إذ وجّه نفوسهم فى الدنيا لكسب الخيرات، والميل إلى العمل بما يرضيه ويرضى رسوله، وأنار بصائرهم للاعتقاد بأن يوم الجزاء آت لا ريب فيه، فأعدّوا له العدّة، فكان على الله بمقتضى وعده أن يدخلهم جناته كفاء ما جدّوا فى رضاه، ونصبوا فى طاعته، خوفا من هول ذلك اليوم العصيب.
(تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي تحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم، تعظيما لشأنهم وعناية بأمرهم، وجاء فى هذا المعنى قوله تعالى فى وصف دخولهم الجنة: «حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم» وقوله: «وَالْمَلائِكَةُ