السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار وأربعة آخرين بالليل بدلا، حافظان وكاتبان كما
جاء فى الحديث الصحيح «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون فى صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادى؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون».
وإذا علم الإنسان أن هناك ملائكة تحصى عليه أعماله كان حذرا من وقوعه فى المعاصي خيفة أن يطلع عليه الكرام الكاتبون ويزجره الحياء عن الإقدام على فعل الموبقات كما يحذر من الوقوع فيها إذا حضر من يستحى منه من البشر، وهو أيضا إذا علم أن كل عمل له فى كتاب مدّخر يكون ذلك رادعا له داعيا إلى تركه.
وليس أمر الحفظة بالبعيد عن العقل بعد أن أثبته الدين وبعد أن كشف العلم أن كثيرا من الأعمال العامة يمكن إحصاؤها بآلات دقيقة لا تدع منها شيئا إلا تحصيه، فقد أصبحت المياه والكهرباء فى المدن تعدّ بالآلات (العدادات) فالمياه التي يشربونها، والكهرباء التي يضيئون بها منازلهم تحصى وتعدّ كما يعدّ الدرهم والدينار، وكذلك هناك آلات تحصى المسافات التي تقطعها السيارات فى سيرها، وأخرى تحصى تيارات الأنهار ومساقط المياه إلى غير ذلك من دقيق الآلات التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة من الأعمال إلا تكتبها وتحصيها.
وكلما تقدمت العلوم وكشفت ما كان غائبا عنا كان فى ذلك تصديق أيّما تصديق لنظريات الدين، ووسيلة حافزة إلى الاعتراف بما جاء فيه مما يخفى على بعض الماديين الذين لا يقرّون إلا بما يرونه رأى العين، ولا يذعنون إلا بما يقع تحت حسهم، وبهذا يصدق قول القائل (الدين والعقل فى الإسلام صنوان لا يفترقان، وصديقان لا يختلفان).
(يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) أي هم يحفظونه بأمر الله وإذنه وجميل رعايته وكلاءته، فكما جعل سبحانه للمحسوسات أسبابا محسوسة ربط بها مسبباتها بحسب ما اقتضته