المعنى الجملي
كان رسول الله ﷺ يخوّف المشركين تارة بعذاب الدنيا من قتل وأسركما حدث يوم بدر، وتارة بعذاب الآخرة، ثم إنهم لما لم يشاهدوا شيئا من ذلك احتجوا بذلك على تكذيبه وطلبوا منه الإتيان بذلك العذاب
روى أنه لما نزل قوله تعالى: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» قال الكافرون حين خلوا إلى شياطينهم إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون، حتى ينظر ما هو كائن، فلما تأخرت قالوا ما نرى شيئا مما تخوّفنا به، فنزل قوله تعالى: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ» فأشفقوا وانتظروا، فلما امتدت الأيام قالوا يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فنزل قوله: (أَتى أَمْرُ اللَّهِ) فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورفع الناس رءوسهم فنزل قوله: (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).
الإيضاح
(أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) أي قرب عذاب المشركين وهلاكهم، أما إتيانه بالفعل وتحققه فمنوط بحكم الله النافذ، وقضائه الغالب على كل شىء، فهو يأتى فى الحين الذي قدّره وقضاه.
ونظم سبحانه المتوقع فى صورة المحقق إيذانا بأنه واجب الوقوع، والشيء إذا كان بهذه المثابة يسوغ فى عرف التخاطب أن يعدّ واقعا، ومعنى قوله فلا تستعجلوه لا تطلبوا حصوله قبل حضور الوقت المقدّر في علمه تعالى.
وفى هذا تهديد من الله لأهل الكفر به وبرسوله، وإعلام منه لهم، بقرب عذابهم وهلاكهم الذي لا بد منه.
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تبرأ الله تعالى عن الشريك والشفيع الذي يدفع الضر عنكم، وفى هذا رد لمقالهم حين قالوا: لئن حكم الله علينا بإنزال العذاب فى الدنيا أو فى الآخرة- لتشفعنّ لنا هذه الأصنام التي نعبدها من دونه.