المعنى الجملي
بعد أن أبان فيما سلف أنه تعالى يقضى بين أرباب الفرق السالفة يوم القيامة وهو شهيد على أقوالهم وأفعالهم- أردف هذا ببيان أنه ما كان ينبغى لهم أن يختلفوا.
ألا يرون أن جميع العوالم العلوية والسفلية كبيرها وصغيرها، شمسها وقمرها ونجومها، وجبالها وحيوانها ونباتها- خاضعة لجبروته مسخرة لقدرته، وقد كان فى هذا مقنع لهم لو أرادوا- ولكن من يهنه الله ويكتب عليه الشقاء فلا يستطيع أحد أن يسعده.
فالله وحده هو القدير على الإشقاء والإسعاد.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) أي ألم تعلم أيها المخاطب بهذا أن هذه الخلائق مسخرة لقدرة بارئها، وجبروت منشئها، منقادة لإرادته طوعا أو كرها فهى مفتقرة فى وجودها وبقائها إليه، فهو الذي أنشأها ورتّبها، وأكمل وجودها على النحو الذي أراده، والحكمة التي قدرها لها فى البقاء.
وأفرد الشمس وما بعدها بالذكر لأنها قد عبدت من دون الله، فعبدت الشمس حمير، والقمر كنانة، والشّعرى لخم، والثريّا طي، والمصريون عبدوا العجل (أبيس) وعبدت العزّى- شجرة- غطفان.
(وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) أي وكثير منهم لا يسجدون فاستحقوا بذلك العذاب (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) أي ومن يهنه الله من خلقه فيكتب له الشقاء لسوء استعداده فما له من مكرم يسعده، لأن الأمور كلها بيده يوفق من يشاء لطاعته، ويخذل من يشاء لتدسيته نفسه، واجتراحه للسيئات، وارتكابه للآثام والمعاصي.