الإيضاح
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي أي فإن يكذبك هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحق وما تعدهم به من العذاب على كفرهم به، فلست بأوحدي فى ذلك، فتلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذبة لرسلها، وذلك منهاج من قبلهم، فلا يصدّنّك ذلك فإن العذاب من ورائهم، ونصرى إياك وأتباعك عليهم آت لا محالة، كما أتى عذابى على أسلافهم من الأمم من قبلهم بعد الإمهال، فقد أمهلت أهل الكفر من هذه الأمم فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب ثم أحللت بهم عقابى بعدئذ، فانظر أيها الرسول كيف كان تغييرى ما كان بهم من نعمة، وتنكرى لهم عما كنت عليه من الإحسان إليهم- ألم أبدلهم بالكثرة قلة، وبالحياة موتا وهلاكا، وبالعمارة خرابا، فكذلك سأفعل بمكذبيك من قريش وإن أمليت لهم إلى آجالهم، فإنى منجزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلى وعدى فى أممهم فأهلكتهم وأنجيت رسلى من بين أظهرهم.
ونحو الآية قوله: «وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ».
(فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) أي فكثير من القرى أهلكناها، إذ كان أهلها يعبدون غير من ينبغى أن يعبد، ويعصون من لا ينبغى أن يعصى فخوت من مكانها وتساقطت على عروشها، أي سقطت حيطانها فوق سقوفها، وكم من بئر عطلناها بإفناء أهلها وهلاك وارديها، فلا واردة لها ولا صادرة منها، وكم من قصر شيد بالصخور والجصّ قد خلا من سكانه، بما أذقنا أهله بسوء أفعالهم، فبادوا وبقيت القصور المشيدة خالية منهم، قال قتادة:
شيّدوه وحصّنوه، فهلكوا وتركوه.