ثم بين حالهم حين حلول البأس بهم فقال:
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) أي فلما أيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كما أوعدهم أنبياؤهم- إذا هم يهربون سراعا عجلين يعدون منهزمين.
والخلاصة- إنهم لما علموا شدة بأسنا وبطشنا علم حس ومشاهدة ركضوا فى ديارهم هاربين من قواهم بعد أن كانوا قد تجبروا على رسلهم وقالوا لهم «لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا».
ثم ذكر أنهم فى ذلك الحين ينهون عن الهرب ويقال لهم:
(لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) أي يقال لهم على طريق الاستهزاء والتهكم: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور، والمساكن الطيبة، والفرش المنجّدة الوثيرة، لعلكم تقصدون للسؤال عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم، فتجيبوا السائلين عما تشاهدون وتعلمون.
ثم حكى عنهم ما أجابوا به القائلين لهم لا تركضوا وارجعوا فقال:
(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي قالوا حين يئسوا من الخلاص إذ نزل بهم بأس الله بظلمهم أنفسهم: هلاكا لنا، لكفرنا بربنا- وهذا منهم اعتراف بالكفر المستتبع للعذاب، وندم عليه حين لا ينفع الندم:

ندم البغاة ولات ساعة مندم والبغي مرتع مبتغيه وخيم
(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) أي فما زالوا يرددون هذه المقالة، ويجعلونها هجّيراهم حتى حصدوا حصدا، وخمدت حركاتهم، وهدأت أصواتهم، ولم ينبسوا ببنت شفة.
وخلاصة هذا- إنهم صاروا يكررون الاعتراف بظلمهم أنفسهم، ولكن لم ينفعهم ذلك كما قال: «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» حتى لم يبق لهم حس ولا حركة، وأبيدوا كما يباد الحصيد، وخمدوا كما تخمد النار.


الصفحة التالية
Icon