(ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) أي عجز الطالب وهو الآلهة أن تستنقذ من المطلوب وهو الذباب ما سلبها إياه من الطيب وما أشبهه.
وقصارى هذا- إنه سبحانه وصف هذه الآلهة بما وصف، للدلالة على مهانتها وضعفها، تقريعا منه لعبدتها من مشركى قريش وكأنه قيل لهم: كيف تجعلون لى مثلا فى العبادة، وتشركون معى فيها ما لا قدرة له على خلق ذباب، وإن أخذ منه الذباب شيئا لم يقدر أن ينتصر منه، وأنا الخالق لما فى السموات والأرض، المالك لجميع ذلك، المحيي لما أردت والمميت له-؟ إن فاعل ذلك بالغ غاية الجهل وعظيم السفه.
ثم زاد هذا الإنكار توكيدا فقال:
(ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عظّموه حق التعظيم، إذ عبدوا معه غيره من هذه الأصنام التي لا تقاوم الذباب لضعفها، ولا تنتصر منه إن سلبها شيئا.
(إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي إنه تعالى قوىّ لا يتعذر عليه شىء، وبقدرته خلق كل شىء، عزيز لا يغالب، لعظمته وسلطانه، ولا يقدر شىء أن يسلبه من ملكه شيئا، وليس كآلهتكم التي تدعونها من دون الله.
ونحو الآية قوله: «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» وقوله: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ».
وبعد أن ذكر ما يتعلق بالإلهيات ذكر ما يتعلق بالنبوات فقال:
(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) أي الله يختار من الملائكة رسلا يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحى، ويصطفى من الناس رسلا يدعون عباده إلى ما يرضيه، ويبلغونهم ما نزّله عليهم من وحيه، إرشادا لهم وتشريعا للأحكام التي فيها سعادتهم فى دنياهم وآخرتهم.
(إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أي إنه تعالى سميع لأقوال عباده، بصير بهم فيعلم من يستحق أن يختار منهم لهذه الرسالة.