أن ننزل عليهم من السماء آية تلجئهم إلى الإيمان وتقسرهم عليه كما نتقنا الجبل فوق قوم موسى حتى صار كالظّلّة فصار جماعاتهم خاضعين منقادين لها كرها- لفعلنا، ولكن جرت سنتنا أن يكون الإيمان اختياريا لا قسريا كما قال: «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».
ومن ثم نفذ قدرنا، ومضت حكمتنا، وقامت حجتنا، على الخلق بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم.
والخلاصة- إن القرآن وإن بلغ فى البيان الغاية غير موصّل لهم إلى الإيمان، فلا تبالغ فى الأسى والحزن، فإنك إن فعلت ذلك كنت كمن يقتل نفسه ثم لا ينتفع بذلك، فكما أن الكتاب على وضوحه لم يفدهم شيئا، فحزنك عليهم لا يجدى نفعا، وقد كان فى مقدورنا أن نلجئهم إلى الإيمان إلجاء، ولكن جرت سنتنا أن يكون الإيمان طوعا لا كرها، ومن جراء هذا أرسلنا رسلنا بالعظات والزواجر، وأنزلنا الكتب لتهديهم إلى سواء السبيل، لكنهم ضلوا وأضلوا، وما ربك بظلام للعبيد.
ثم بين شدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما هم عليه من الكفر والضلال بغير الآيات الملجئة تأكيد الصرف رسول الله ﷺ عن الحرص على إسلامهم فقال:
(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) أي وما يجىء هؤلاء المشركين الذين يكذبونك ويجحدون ما أتيتهم به- ذكر من عند ربك لتذكرهم به إلا أعرضوا عن استماعه وتركوا إعمال الفكر فيه ولم يوجهوا همهم إلى تدبره وفهم أسراره ومغازيه، وما كان أحراهم بذلك وهم أهل الذّكن والفطنة، ولكن طمس الله على قلوبهم فأكثرهم لا يعقلون.
وخلاصة ذلك- إنه لا يجدد لهم موعظة وتذكيرا إلا جددوا ما هو نقيض ذلك من إعراض وتكذيب واستهزاء.
ثم أكد إعراضهم بقوله: