١- (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) أي لئلا يكون لأولئك المحاجين في أمر القبلة وهم أهل الكتاب والمشركون وتبعهما المنافقون- حجة وسلطان عليكم.
ووجه انتفاء حجتهم على طعنهم في النبوة بتحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة، أن أهل الكتاب كانوا يعرفون من كتبهم أن النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل يكون على قبلته وهى الكعبة فبقاء بيت المقدس قبلة دائمة له، حجة على أنه ليس هو النبي المبشر به، فلما جاء هذا التحويل عرفوا أنه الحق من ربهم.
وأن المشركين كانوا يرون أن نبيا من ولد إبراهيم جاء لإحياء ملة أبيه، ينبغى ألا يستقبل غير بيت ربه الذي كان أبوه قد بناه، وكان يصلى هو وإسماعيل إليه، وبذلك دحضت حجة الفريقين، ومن ورائهم المنافقون.
(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي لكن الذين ظلموا منهم بالعناد، فإن لهم عليكم حجة، إذ يقول اليهود: ما تحوّل إلى الكعبة إلا ميلا لدين قومه، وحبّا لبلده، ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء قبله، ويقول المشركون: رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، ويقول المنافقون: إنه متردد مضطرب لا يثبت على قبلة، إلى نحو هذا من الآراء التي سداها ولحمتها الهوى، ولا مرجع فيها لحجة وبرهان، بل هى جدل في دين الله وشرعه بلا هدى ولا كتاب منير، ومثل هؤلاء لا يقام لقولهم وزن.
(فَلا تَخْشَوْهُمْ) أي فلا تخشوا الظالمين في توجهكم إلى الكعبة، لأن كلامهم لا يستند إلى حجة من برهان عقلى ولا هدى سماوى.
(وَاخْشَوْنِي) فلا تخالفوا ما جاءكم به رسولى عنى، فأنا القادر على جزائكم بما وعدتكم.
وفي هذا إيماء إلى أن صاحب الحق هو الذي يخشى جانبه، وأن المبطل ينبغي ألا يؤبه له، فإن الحق دائما يعلو، وما آفة الحق إلا ترك أهله له، وخوفهم من أهل الباطل.


الصفحة التالية
Icon