الجواب قبل الحاجة إليه، والجواب المعدّ أقطع لحجة الخصم، وقد قالوا في أمثالهم «قبل الرمي يراش السهم» وليكون الوقوع بعد الإخبار به معجزة له صلى الله عليه وسلم.
ويتضمن هذا الجواب سرّا من أسرار الدين كان أهل الكتاب في غفلة عنه وجهل به، وهى أن الجهات كلها لله، فلا فضل لجهة على أخرى، فلله أن يأمر بالتوجه إلى أىّ جهة منها ويجعلها قبلة، وعلى العبد أن يمتثل أمر ربه «ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثمّ وجه الله».
الإيضاح
(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها؟) أي سيقول الذين خفّت أحلامهم، وامتهنوا عقولهم بالتقليد والإعراض عن النظر، والتأمل من المنكرين تغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين على جهة الإنكار والتعجب: أىّ شىء جرى لهؤلاء المسلمين، فصرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وهى قبلة النبيين والمرسلين من قبلهم؟
(قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي أجبهم بأن الجهات كلها لله، فليست صخرة بيت المقدس بأفضل من سائر الصخور في جوهرها، وليس فيها من المنافع ما لا يوجد في غيرها، وكذلك الكعبة والبيت الحرام، وإنما يجعل الله تعالى للناس قبلة، لتكون جامعة لهم فى عبادتهم، لكن سفهاء الأحلام يظنون أن القبلة أصل في الدين من حيث هى الصخرة المعيّنة أو البناء المعين، وقد بلغ الأمر باليهود أن قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم:
ارجع إلى قبلتنا نتبعك ونؤمن بك، وما أرادوا بذلك إلا فتنته ﷺ والطعن فى الدين، ببيان أن كلا من التوجه إليها والانصراف عنها، حدث بلا داع يدعو إليه، حتى قالوا: إنه رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها، وليرجعنّ إلى دينهم أيضا.
(يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي يرشد الله من يشاء إرشاده وهدايته إلى