وفى صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال لمعاذ لما وجهه إلى أرض اليمن:
«واتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب».
(أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟) الذي هذه شئونه، وتلك نعمه؟.
ثم بين أن من طبيعة الإنسان ألا يتذكر نعم الله عليه إلا قليلا، وإلى ذلك أشار بقوله:
(قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ) أي قليلا ما تتذكرون نعم الله عليكم، وأياديه عندكم، ومن ثمّ أشركتم به غيره فى العبادة.
ثم زادهم تأنيبا وتهكما من ناحية أخرى فقال:
(أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي أمن تشركون بالله خير، أم من يرشدكم فى ظلمات البر والبحر إذا أظلمت عليكم السبل فضللتم الطريق- بما خلق من الدلائل السماوية كما قال: «وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» وقال: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» ومن يرسل الرياح أمام الغيث الذي يحيى موات الأرض.
ولما اتضحت الأدلة ولم يبق لأحد فى ذلك عذر ولا علة قال:
(أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟) فعل هذا؟.
ثم أكد هذا النفي وقرره بقوله:
(تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تنزه ربنا المنفرد بالألوهية، ومن له صفات الكمال والجلال، ومن تخضع له جميع المخلوقات، وتذلّ لقهره وجبروته- عن شرككم الذي تشركونه به وعبادتكم معه ما تعبدون.
ثم أضاف إلى ذلك برهانا آخر لعلهم يرتدعون عن غيهم فقال:
(أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي أما تشركون به خير أم الذي ينشىء الخلق بادىء بدء ويبتدعه من غير أصل سلف، ثم يفنيه إذا


الصفحة التالية
Icon