روى عن جابر أن النبي ﷺ تلا هذه الآية فقال «العالم من عقل عن الله تعالى فعمل بطاعته واجتنب سخطه».
ولما قدم سبحانه أن لا معجز له سبحانه، ولا ناصر لمن خذله، أقام الدليل على ذلك بقوله:
(خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) أي خلق السموات والأرض لحكم وفوائد دينية ودنيوية ولم يخلقها عبثا ولهوا، فبخلقها أمكن إيجاد كل ممكن تعلق به العلم، واقتضت الإرادة إيجاده، وأمكن معرفة الخالق الذي أوجدها وعبادته كفاء نعمه، كما جاء فى الحديث القدسي حكاية عن الله عز وجل: «كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفونى».
ولا يفهم هذه الأسرار إلا من آمنوا بالله وصدقوا رسوله، لأنهم هم الذين يستدلون بالآثار على مؤثّرها كما أثر عن بعض العرب: «البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام تدل على السير».
ثم خاطب رسوله مسليا له بقوله:
(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) أي أدم تلاوة الكتاب تقربا إلى الله بتلاوته، وتذكرا لما فى تضاعيفه من الأسرار والفوائد وتذكيرا للناس، وحملا لهم على العمل بما فيه من أحكام وآداب ومكارم أخلاق.
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) أي وأدّ الصلاة على الوجه القيّم مريدا بذلك وجه الله والإنابة إليه مع الخشوع والخضوع له فإنها إن كانت كذلك نهتك عن الفحشاء والمنكر لما تحويه من صنوف العبادات من التكبير والتسبيح، والوقوف بين يدى الله عز وجل، والركوع والسجود بغاية الخضوع والتعظيم، ففى أقوالها وأفعالها ما يومئ إلى ترك الفحشاء والمنكر، فكأنها تقول: كيف تعصى ربا هو أهل لما أتيت به؟ وكيف يليق بك أن تفعل ذلك وتعصيه؟ وأنت وقد أتيت بما أتيت به من أقوال وأفعال تدل على عظمة المعبود وكبريائه، وإخباتك له، وإنابتك