وخبرين: إنا رادوه إليك وجاعلوه. وبشارتين فى ضمن الخبرين: وهما الرد والجعل من المرسلين، حكى عن الأصمعى قال: سمعت أعرابية تنشد:
أستغفر الله لذنبى كله | قبّلت إنسانا بغير حله |
مثل الغزال ناعما فى دلّه | فانتصف الليل ولم أصله |
ثم ذكر صدق وعده ومقدمات نجاته فقال:
(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) أي فأخذه أهل فرعون أخذ اللقطة التي يعنى بها وتصان عن الضياع صبيحة الليل الذي ألقى فيه التابوت.
روى أن الموج أقبل به يرفعه مرة ويخفضه أخرى حتى أدخله بين الأشجار عند بيت فرعون، فخرج جوارى امرأته إلى الشط فوجدن التابوت فأدخلنه إليها وظنن أن فيه مالا، فلما فنحنه وجدن فيه غلاما فوقعت عليها رحمته فأحبته.
ولما أخبرت فرعون به أراد أن يذبحه إذ قال إنى أخاف أن يكون هذا من بنى إسرائيل وأن يكون هلاكنا على يديه، فلم تزل تكلمه حتى تركه لها.
ثم ذكر سبحانه أن العاقبة كانت ضد ما قصدت فقال:
(لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) أي لتكون عاقبة أمره كذلك إذ أراد الله هذا، وهذا كما تقول لآخر تؤنبه على فعل كان قد فعله وهو يظن نفسه محسنا فيه وأدى الأمر إلى مساءة وضرّ قد لحقه: فعلت هذا لضر نفسك، وهو قد كان حين الفعل راجيا نفعه غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو، وهذا جار على سنن العرب فى كلامهم، فيذكرون الحال بالمئال، قال شاعرهم:
وللمنايا تربّى كل مرضعة | ودورنا لخراب الدهر نبنيها |
فللموت تغذو الوالدات سخالها | كما لخراب الدهر تبنى المساكن |