بعد أن سمعوا أخباره، وترامت لهم فضائله وشمائله، وقد كان فى هذا مقنع لقومه أن يؤمنوا به وأن تحدثه نفسه الشريفة بالطمع فى إيمانهم، ودخول الهدى فى قلوبهم والانتفاع بما آتاه الله من العرفان، فتكون لهم به السعادة فى الدنيا والآخرة- أردف ذلك الآية الأولى تسلية له ﷺ إذ لم ينجع فى قومه الذين يحبهم ويحرص عليهم أشد الحرص- إنذاره وإبلاغه، فيقبلوا ما جاء به، بل أصرّوا على ما هم عليه، وقالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى، فكانوا على عكس قوم هم أجانب عنه آمنوا بما جاء به، وقالوا إنه الحق من ربنا.
وقد استفاضت الأخبار بأن الآية نزلت فى أبى طالب،
فقد أخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي والبيهقي فى الدلائل عن أبى هريرة قال: «لما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه النبي ﷺ وقال يا عماه: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله يوم القيامة، فقال: لولا أن تعيّرنى قريش، يقولون ما حمله على ذلك إلا جزعه من الموت لأقررت بها عينك، فأنزل الله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) » الآية.
ونزل فى الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف حين أتى النبي ﷺ فقال: نحن نعلم أنك على الحق، ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب ونحن أكلة رأس (يريد: إنا قليلو العدد) أن يتخطفونا- قوله تعالى: (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى) الآية.
الإيضاح
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي إنك لا تستطيع هدى من أحببت من قومك أو من غيرهم هدى موصلا إلى البغية، فتدخله فى دينك وإن بذلت كل مجهود، وإنما عليك البلاغ، والله يهدى من يشاء، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.
وبمعنى الآية قوله: «لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ».
وقوله: «وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ».


الصفحة التالية
Icon