المعنى الجملي
بعد أن وبخهم فيما سلف على اتخاذهم الشركاء، وذكر أنه يسألهم عنهم يوم القيامة تهكما بهم وتقريعا لهم- أردف ذلك بتجهيلهم على اختيار ما أشركوه واصطفائهم إياه للعبادة، وأبان لهم أن تمييز بعض المخلوقات عن بعض، واصطفاءه على غيره من حق الله لا من حقكم أنتم، والله لم يصطف شركاءكم الذين اصطفيتموهم للعبادة والشفاعة، فما أنتم إلا جهال ضلال.
الإيضاح
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) أي وربك يخلق ما يشاء خلقه، وهو وحده سبحانه دون غيره يصطفى ما يريد أن يصطفيه ويختاره، فيختار أقواما لأداء الرسالة وهداية الخلق وإصلاح ما فسد من نظم العالم، ويميز بعض مخلوقاته عن بعض ويفضّله بما شاء، ويجعله مقدما عنده، وليس لهم إلا اتباع ما اصطفاه، وهو لم يصطف شركاءهم الذين اختاروهم للعبادة والشفاعة، فما هم إلا فى ضلال مبين، صدوا عن عمل ما يجب عليهم فعله طاعة لله ورسوله، وتصدّوا لما ليس من حقهم أن يفعلوه بحال.
ونحو الآية قوله: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» وقال الشاعر:
العبد ذو ضجر، والرب ذو قدر | والدهر ذو دول والرزق مقسوم |
والخير أجمع فيما اختار خالقنا | وفى اختيار سواه اللوم والشّوم |
وروى أنس أن النبي ﷺ قال له «يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى ما يسبق إليه قلبك، فإن الخير فيه».