وفى هذا إيماء إلى أن الإيمان لا قرار له فى نفوسهم، ولا أثر له فى قلوبهم، فهو لا يستطيع مقابلة الصعاب، ولا مقاومة الشدائد، فلا تعجب لاستئذانهم وطلبهم الهرب من ميدان القتال.
والخلاصة: إن شدة الخوف والهلع الذي تمكن فى قلوبهم مع خبث طويتّهم، وإضمارهم النفاق- تحملهم على الإشراك بالله والرجوع إلى دينهم عند أدنى صدمة تحصل لهم من العدو، فإيمانهم طلاء ظاهرى لا أثر له فى نفوسهم بحال، فلا عجب إذا هم تسللوا لواذا، وبلغ الخوف من نفوسهم كل مبلغ.
ثم بين أن لهم سابقة عهد بالفرار وخوف اللقاء من الكماة، فقال:
(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) أي ولقد كان هؤلاء المستأذنون وهم بنو حارثة قد هربوا يوم أحد وفرّوا من لقاء عدوهم، ثم تابوا وعاهدوا الله ألا يعودوا إلى مثلها وألا ينكثوا على أعقابهم حين قتالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم بين ما للعهد من حرمة فقال:
(وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا) أي وعهد الله يسأل عن الوفاء به يوم القيامة ويجازى عليه.
ثم أمر الله رسوله أن يقول لهم: إن فراركم لا يؤخر آجالكم، ولا يطيل أعماركم، فقال:
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) أي قل لهؤلاء المستأذنين الفارّين من قتال العدو ومنازلته فى الميدان: لن ينفعكم الهرب ولا يدفع عنكم ما أبرم فى الأزل من موت أحدكم حتف أنفه، أو قتله بسيف ونحوه فإن المقدّر كائن لا محالة والأجل إن حضر لم يتأخر بالفرار، وكان علىّ يقول عند اللقاء: دهم الأمر، وتوقّد الجمر.


الصفحة التالية
Icon