فمن ظن أن الدهر باق سروره... فذاك محال لا يدوم
سرور عفا الله عمن صيّر الهمّ واحدا... وأيقن أن الدائرات تدور
(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) أي وإن الدار الآخرة لهى دار الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع.
(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي لو كانوا يعلمون أن ذلك كذلك لما آثروا عليها الحياة الدنيا السريعة الزوال، الوشيكة الاضمحلال.
ثم أخبر بأن تلك حال المشركين فى الرخاء، فإذا ابتلوا بالشدائد دعوا الله وحده ليخلصهم منها كما قال:
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي فإذا ركب هؤلاء المشركون فى السفينة وخافوا الغرق، دعوا الله وحده، وأفردوا له الطاعة، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ليخلصوهم من تلك الشدة، فهلا يكون هذا منهم دائما؟
ثم بين سرعة رجوعهم وعودتهم إلى ما كانوا عليه وشيكا فقال:
(فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) أي فلما خلّصهم مما كانوا فيه من الضيق، ونجاهم من الهلاك، ووصلوا إلى البر، رجعوا القهقرى، وعادوا سيرتهم الأولى، وجعلوا مع الله الشركاء، ودعوا الآلهة والأنداد.
ونحو الآية قوله «وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً».
روى محمد بن إسحاق فى السيرة عن عكرمة بن أبى جهل قال: «لما فتح رسول الله ﷺ مكة ذهبت فارّا منها، فلما ركبت البحر إلى الحبشة اضطربت بنا السفينة، فقال أهلها: يا قوم أخلصوا لربكم الدعاء، فإنه لا منجّى هاهنا إلا هو، فقال عكرمة: لئن كان لا ينجى فى البحر غيره فإنه لا ينجى فى البر أيضا غيره، اللهم لك علىّ عهد، لئن خرجت لأذهبنّ فلأضعن يدى فى يد محمد فلأجدنّه رءوفا رحيما فكان كذلك».