يَقْنَطُونَ)
أي إن الإنسان قد ركّب فى طبيعته الفرح والبطر حين تصيبه النعمة، كما حكى الله عنه: «لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ» وإذا أصابته شدة بجهله بسنن الحياة، وعصيانه أوامر الدين، قنط من رحمة الله وأيس منها، فهو كما قيل:
كحمار السوء إن أعلفته | رمح الناس وإن جاع نهق |
«عجبا للمؤمن لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له».
ثم أنكر عليهم ما يلحقهم من اليأس والقنوط لدى الضراء، فقال:
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ؟) أي ألم يشاهدوا ويعلموا أن الأمرين من الله، فما بالهم لم يشكروا فى السراء، ويحتسبوا فى الضراء، كما يفعل المؤمنون، فإن من فطر هذا العالم لا ينزل الشدة بعباده إلا لما لهم فيها من الخير كالتأديب والتذكير والامتحان، فهو كما يربى عباده بالرحمة يربيهم بالتعذيب فلو أنهم شكروه حين السراء، وتضرعوا إليه فى الضراء، لكان خيرا لهم.
والخلاصة: إنه يجب عليهم أن ينيبوا إليه فى الرخاء والشدة، ولا يعوقهم عن الإنابة إليه نعمة تبطرهم، ولا شدة تحدث فى قلوبهم اليأس، بل يكونون فى السراء والضراء منيبين إليه.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي إن فى ذلك البسط على من بسط له والقدر على من قدر عليه- لدلالة واضحة لمن صدّق بحجج الله إذا عاينها.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠)