المعنى الجملي
بعد أن ذكر من الأدلة على الوحدانية والبعث ما ذكر، وأعاد وكرر، بشتى البراهين، وبديع الأمثال- أردف ذلك أنه لم يبق بعد هذا زيادة لمستزيد، وأن الرسول ﷺ قد أدى واجبه، وأن من طلب شيئا بعد ذلك فهو معاند مكابر، فإن من كذّب الدليل الواضح اللائح، لا يصعب عليه تكذيب غيره من الدلائل.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد | وينكر الفمّ طعم الماء من سقم |
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي ولقد أوضحنا لهم الحق، وضربنا لهم الأمثال الدالة على وحدانية الخالق الرازق، وعلى البعث وصدق الرسول، ليستبينوا الحق ويتبعوه، لكنهم أعرضوا عن ذلك استكبارا وعنادا كما أشار إلى ذلك بقوله:
(وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي والله لئن جئتهم بالآيات لا يؤمنون بها، بل يعتقدون أنها سحر مفترى، وما هى إلا أساطير الأولين.
ونحو هذا قوله: «إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ».
(كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي كذلك يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به من العبرة والعظات، والآيات البينات، فلا يفقهون الأدلة ولا يفهمون ما يتلى عليهم من آي الكتاب لسوء استعدادهم، ولما دسوابه أنفسهم من سوء القول والفعل، فهم فى طغيانهم يعمهون.
ثم ختم السورة بأمر الرسول بالصبر على أذاهم، وعدم الالتفات إلى عنادهم، فقال:
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) أي فاصبر أيها الرسول على ما ينالك من أذى