ما يصلح حالهم في دينهم ولا دنياهم، بل كذبوا به لاستكبارهم عن اتباع الحق ومشاقتهم لرسوله صلّى الله عليه وسلم وحرصهم على مخالفته.
ثم حذرهم وخوّفهم ما أهلك به الأمم قبلهم حين كذبوا رسلهم فقال:
(كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي وكثير من الأمم قبلهم أهلكناهم فاستغاثوا حين حل بهم العذاب، فلم يغن ذلك عنهم شيئا، فقد فات الأوان وحل البأس، فليس الوقت وقت فرار وهرب من العقاب.
ونحو الآية قوله: «فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ» وقوله «حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ» وقوله «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ. لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ».
(وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) أي وما كان أشد تعجبهم حين جاءهم بشر مثلهم يدّعى النبوة ويدعو إلى الله وليس له من الصفات الباطنة والظاهرة في زعمهم ما يجعله يمتاز عنهم ويختص بهذا المنصب وتلك المنزلة الرفيعة، ومن ثم قالوا ما هو إلا خدّاع كذاب فيما ينسبه إلى الله من الأوامر والنواهي، ثم ذكر شبهتهم فى إثبات كذبه من وجوه ثلاثة:
(١) (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) أي أزعم أن المعبود إله واحد لا إله إلا هو؟ وقد أنكروا ذلك وتعجبوا من ترك الشرك بالله، من أجل أنهم تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم، فلما دعاهم إلى محو ذلك من قلوبهم وإفراد الإله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا منه وقالوا إن آباءهم على كثرتهم ورجاحة عقولهم لا يعقل أن يكونوا جاهلين مبطلين ويكون محمد وحده محقّا صادقا- ولا شك أن هذا استبعاد فحسب، ولا مستند له من عقل ولا نقل.
ونحو الآية قوله «أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ